كتب فهد الأحمدي: هل تذكرون ابنتي "رسيل".. أصبحت الآن في الرابعة من عمرها، ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً لاحظت تغيراً كبيراً في تصرفاتها. فقد أصبحت عنيفة مشاكسة وتدعوني دائماً للتصارع معها (رغم أنها بنت!!؟).. والأدهى من هذا أن لعبتها المفضلة أصبحت "السيف" وكلما رأتني خارجاً ذكرتني بقولها "يا بابا اشترلي سيف"!!
حكاية السيف هذه حيرتني طويلاً حتى لاحظت انها أصبحت مدمنة على مشاهدة "سلاحف النينجا" و"جوجو" و"دراجون بول" - وقبل ذلك "زورو" و"هرقل" و"بيكومون". وشخصيات الكرتون في هذه المسلسلات لا يحلون مشاكلهم إلا بالسيوف والرماح ولا يجيدون التفاهم بأي وسيلة أخرى - ومع هذا يعودون سليمين في الحلقات التالية لمتابعة القتال!
وكنت قد قرأت الكثير عن تأثير المشاهد العنيفة على الأطفال ولكنها المرة الأولى التي أرى تأثيرها في بيتي. وطوال يومين راقبت نوعية الأفلام التي تشاهدها رسيل (وتسمي نفسها زورو) واكتشفت كم أصبحت أنا بعيداً عن عالم الكرتون.. فالجديد منها لم يعد بريئاً، والقديم أصبحت له أبعاد جديدة، فبالإضافة لمشاهد العنف والقتل تحمل معظم المسلسلات الجديدة مضامين تربوية ودينية سيئة.. فهرقل يصبح ضحية صراع يدور بين الآلهة. وفي مسلسل مولان يستعين الأبطال بقبور أجدادهم لطلب العون والمشورة. وفي مسلسل "دراجون" يتحكم السحرة بالأقدار ويحولون من يعارضهم إلى بقرة أو ثعبان. أما صديقنا القديم "عبسي" فيشرب الخمرة ولولا "عدنان" لأصبح في خبر كان. أما مشاهد الغرام في سندريلا وبوكاهنتوس فيخجل المرء من سردها.. باختصار رأيت مضامين إلحادية وشركية وغير أخلاقية تتسرب لأطفالنا من خلال أفلام الكرتون.. وهي مضامين أعترف أننا كآباء لا ننتبه إليها نظراً لمشاغلنا ونظرتنا البريئة لأفلام الكرتون!!
ومن جهة أخرى من المعروف أن كبار السن لا يتأثرون بالأفلام العنيفة لأنهم يدركون - في أعماقهم - أنها ليست حقيقية. ولكن هؤلاء الكبار يتأثرون بشدة حين يرون مقطعاً (ولو قصيراً) من مشهد عنف حقيقي. فأفلام رامبو وشوارزنيجر على دمويتها لم تهز أمريكا مثلما هزها مشهد حقيقي لرجال الشرطة وهم يضربون المواطن الأسود روني كنج. ورغم سطوة الإعلام اليهودي إلا انه توارى خجلاً أمام مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يطلقون النار على محمد الدرة.. وفي المقابل لا يميز صغار السن بين الواقع والخيال وكل مشهد يرونه يفوق في صدمته وتأثيره أي مشهد عنف حقيقي نراه نحن!!
وحسب علمي أول دراسة أجريت للربط بين مشاهد العنف وسلوكيات الأطفال تمت إبان الستينات بمدينة هيدتسون بنيويورك. وقد قام بها عالم النفس ليونارد ايرون الذي وضع كاميرات سرية في غرف الأطفال لحساب الساعات التي يمضونها في مشاهدة البرامج العنيفة. وقد اكتشف ارتفاعاً طردياً بين السلوك العنيف والساعات التي يقضيها الطفل أمام التلفزيون. كما وجد ان الطفل الأمريكي يشاهد 8000جريمة قتل (ناهيك عن مشاهد العنف الأخرى) قبل بلوغه الخامسة عشرة! وبعد 19عاماً عاد ايرون إلى هدتسون وقابل من كانوا يشاهدون التلفاز لأكثر من خمس ساعات يومياً فوجد أن نسبة المجرمين بينهم أكثر من المعدل العادي. وحين قدم شهادته أمام الكونجرس قال ان منع مشاهد العنف في برامج الأطفال سيخفض معدل الجريمة في أمريكا بنسبة 10% إلى 25%! ورغم ان 3000دراسة مماثلة أجريت لاحقاً - وأكدت هذه النتيجة - فإن معظم الأهالي لم يتخذوا موقفاً حازماً حيال ما ينبغي لأطفالهم مشاهدته. فكل الآباء يصدمون في البداية (كما حدث معي.. ومعك الآن) ولكنهم سرعان ما يتهاونون وينشغلون فتعود "سلاحف النينجا" لتسيد الموقف!!
.. ولاحظ هنا.. لم نتحدث عن "سوني 2".
لقراءة التعليقات اضغط هنا
الصورة من هنا
No comments:
Post a Comment