علمني أبي

عندما كنت صغيرة كان يطلب مني أبي أن أحضر له شيئا من غرفته فأترك ما في يدي مسرعة لأحضر ما يريد و أعود أسرع من ما ذهبت فارغة اليدين ليسألني "أين ما طلبت؟"
فأقول له "لم أجده."
فيرد صابرا "اذهبي فهو في المكان الفلاني"
لأذهب بنفس السرعة و أعود لأقول لم أعرف أين هو. فيضطر هو أن يذهب بنفسه ليقول لي أنه وجده في نفس المكان.

و يتكرر هذا المشهد لعدة سنوات حتى كبرت قليلا (لكني ما زلت في مرحلة الابتدائية) فضاق أبي بي ذرعا و عنفني مرة لكي لا أكرر جملة "لا أعرف"
فيقول لي دائما "أسهل شي عليكي ما أعرف"
ثم يأمرني دائما: (روحي دوري و لا ترجعي لحتى ما تجيبيه. و يا ويل أسمعك تقولي ما أعرف)

وخوفا من أن يصرخ مرة أخرى علي، أجتهد لأجده، فأبحث عنه في كل مكان حتى لو لم أجده في المكان الذي أخبرني عنه حتى لو في غرفة ثانية حتى لو أبحث في البيت كله، المهم أن لا أعود من غير طلبه ليغضب علي مرة أخرى.

و عندما أحضره له يقول لي
"طلع في أصبعك شوكة لما دورتي شوي؟!!"
:)


تعلمت من أبي الرائع رحمه الله أن لا أقول كلمة لا أعرف أبدا بل أصبح عندي حساسية منها.
حتى عندما يسألني أحد اليوم عن سؤال ما حتى لو لم أعرف أقول لا أعرف لكني أوعدك أن أجتهد لأعرف و يبقى هذا السؤال يؤرقني حتى أعرف إجابته.
كثير من يسألني عن ترجمة كلمة و بالطبع أنا لست قاموسا أحفظ كل الكلمات لكني أحاول قدر المستطاع تجنب كلمة لا أعرف لأقول سأتصل عليكم بعد قليل لأبحث عن المعنى.
نصيحة أبي الرائعة أفادتني كثيرا في حياتي فزادت معرفتي في أشياء كثيرة و زاد قاموسي اللغوي أيضا بحكم تخصصي.
و زال خوفي من تجربة كل جديد. فإن سألني أحدهم عمل شيء صعب تجنبه الآخرون لعدم معرفتهم، أتقبله بصدر رحب مع أني لا أزيد في جهلي به عنهم. لكني "أتعلم" كما علمني أبي. فجزاك الله عني كل خير يا أبي فقد تعلمت مهارات جديدة بفضل الله الذي وهبني أبا نصوحا مثلك.

اللهم أسكن أبي في جنات النعيم و أرحمه و أرحم أموات المسلمين.ا

شعاري دوما و أبدا هو
ليس العيب في أن لا تعرف و لكن العيب في ألا تجتهد لتعرف