Tuesday, May 27, 2008

اشششش هدوء


جلست في المكتبة
حتى أستطيع انهاء عملي من غير إزعاج أحد
فقد قيل لي أن المكتبة مكان هدوء
صدقت ببراءة
لكن يا هولي لما حدث
فعندما دخلت المكتبة كان معي كتابا و دفترا و قلما لألخص ما أقرأه هناك
لم يكن معي أكثر من ساعة واحدة لانهاء ما أريد تلخيصه
و صفحات الكتاب كثيرة فكان يجب علي استغلال كل دقيقة من وقتي هناك
تجولت في المكتبة أبحث عن زاوية لا يكثر فيها الطالبات لكي لا أنشغل بحركتهن
و جلست في كابينة إن صح التعبير حولها كبائن أخرى و اعتقدت أن هذا هو الحل المناسب لأن كل سيكون مشغولا بكتابه
لكن ليس كل اعتقاد يرد في خاطري يستوجب الصحة
فحالما جلست و فتحت كتابي و قرأت أول سطرين باستمتاع مسكت جارتي بالكابينة هاتفها لتكلم احداهن بصوت عالٍ متناسية هدوء المكان
حاولت اغلاق أذناي حتى تنهي المكالمة لكن تسلل صوتها لا محالة إلى أذناي اللذان ضغطت عليهما بكل قوة محاولة منع صوتها الحاد بلا فائدة
فاستسلمت حتى تنهي مكالمتها أضع لها أعذارا فالجو حار في الخارج و لا يطاق فلذلك هي تحتاج انهاء مكالمتها هنا
المشكلة ليست هنا
المشكلة أنها كانت تكلم احداهن و تقول لها انا اللتي طلبت منك الكتاب الفلاني لا تذكريني و بائت محاولاتها لتذكيرها بالفشل لتكتشف في النهاية أنها قد طلبت "ديمة" غير "ديمة" التي أرادت. فجلست تعتذر لها و تضحك على خطئها و كل هذا و أنا أنظر للساعة علها ترحمني فتتوقف حتى تنتهي الأخت من اعتذاراتها.
و انتهت المكالمة على خير و لمحتها تبحث يائسة عن "دبمة" المقصودة و لحسن حظي أنها لم تجدها فانشغلت بكتابها حسب ظني.
و بينما كنت أقرأ بقية الصفحة و قد دخلت جواً مع كتابي حتى أسمع ضحكات تقترب من بعيد و لغة غير مفهومة بصوت لا أظن أنه يصل لهذه الدرجة جتى لو كان خارج المكتبة.
فالتفت لأرى مصدر الصوت فإذا بثلاث عاملات من جنسية غير عربية يتبخترن في المكتبة و هن يتحدثن معاً و يضحكن بصوت عالٍ. أنا لست ضد أخذهن حريتهن في الكلام لكن أرجوكن ليس هنا. هذه مكتبة مكتبة.
اشششش لقد على صوتي على ما يبدو
عاد الهدوء لمدة ثواني لم يستمر أكثر من ذلك
فإذا بكبائن ثلاثة حولي تدرس فيها صديقات يتحدثن مع بعضهن عن بعد اثنان أمامي و واحدة بجانبي لا أراها
ياالله لماذا لم تكن كراسي هذه الكبائن تجبر الجالس عليها بأن يعطي ظهره للآخرين؟
بماذا كانوا يفكرون حينما جعلوا تلك الكراسي تتيح لصاحبها النظر بحرية لكل من يمر بجانبه الأيسر؟
المشكلة لو أن حديثهن كان عن الدراسة لكنت عذرتهن، لكنهن كن يقنعن إحداهن بأن يذهبن للأكل لأنهن جائعات. و استمر الاقناع لدقائق و أنا أرجوها بصمت أن تذهب معهن و الحمدلله ذهبن و هي متذمرة لتسلطهن عليها.
مرت نصف ساعة على تلك المهازل اللتي حدثت و ابتسمت انها انتهت لأعود إلى ما كنت عليه.
و جلست أقرأ و أقرأ و قلبت الصفحة لصفحة أخرى و بدأت أكتب خلاصة ما أقرأ و لم يكن يقطع هدوء المكان إلا نغمات موسيقية هنا و هناك من هواتف نقالة. لكن بلعتها مع غصة فوقتي يمر و لا يرحمني.
ثم حدث ما لم يكن في الحسبان.
فجارتي اللتي كانت بجانبي اللتي كنت قد نسيتها مع جو القراءة تلك صاحبة "ديمة" المفقودة على ما يبدو أنها تذكرت أنها تريد أن تجري مكالمة اجتماعية مع أحدهم. و كانت المكالمة تحمل طابع الرومانسية. على ما يبدو أن الهدوء ذكرها بالأجواء الرومانسية مما جعلني أتجرع الألم في بطني ألما من لا مبالاتها حتى انتهت بعد أن قطعت وقتي و وقتها.
فحمدت الله و عدت لتلخيصي و قد أصبح عندي حساسية من كل صوت يحدث في المكتبة
بصراحة كنت أخشى من المكتبة أن تقع علينا تأديباً لما يحدث لها، و قد خيل إلي أن صوتاً ما يصدر من جدرانها و كأنه صوت بكاء. و من يلومك يا مكتبة و أنت تبكين على أطلال تلك الأيام الماضية عندما كان لك هيبة و الكل يحترمك و يمتثل لتعاليمك بصمت و هدوء.
هئ هئ هئ
تعالي نبكي أنا و أنت معاً
و نحن في غمرة بكائنا الصامت هذا إذ بنا نسمع صوت هاتف المكتبة يرن و هذا أمر طبيعي لكن طالبة كانت تعتقد أنها انسانة مضحكة جداً لتقلد صوت الرنين بصوت عالٍ ليزيد نحيبي أنا و مكتبتي على هذه المهزلة.
ليس هذا فحسب فقد فوجئت بدخول زمرة من الفتيات اللا مباليات ليجلسن فوق الطاولة و يتحدثن باستهتار و ضحك لا معنى له و صوت أمينة المكتبة اللتي لا أعرف أين كانت طوال هذه الساعة اللتي قضيتها هناك تصرخ أن "اصمتوا هدووووووووووووووووء" تلك الكلمة اللتي اشتقت لها ليردوا عليها بصوت عالٍ "آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآسفين" ليستمروا بعدها بقهقهتهن و حديثهن التافه الذي لا يناسب مكاناً كهذا.
وضعت يدي على رأسي و نظرت إلى ساعتي لأجد أني قد تجاوزت الساعة اللتي كنت آمل انهاء عملي بها فأسرعت بلملمة أشيائي لأطل على تلك المجموعه بنظرة استحقار انتقاماً لمكتبتي و خرجت أبحث عن الهدوء في مكان آخر.
عذراً يا مكتبتي لم أستطيع فعل أكثر من ذلك لأنك ربيتيني على الهدوء هنا.

3 comments:

Unknown said...

مسخرة
يمكن الواحد لازم يصير مجنون ويصرخ
في اللي حواليه علشان يتأدبوا
أكره الامبالاة

Rana said...

عصبت و انت ما كنت هناك
كيف لو شفتهم هناك؟
كويس اني قدرت أحافظ على توازني

Lady Hands said...

صباح الخير..
المقال أعجبني كثيراً
وفي الحقيقة جل المدونة تستحق المتابعة
فلك مني كل الشكر والتقدير.